كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



أخبرني الحسن قال: حدّثنا علي بن إبراهيم الموصلي قال: حدّثنا محمّد بن مخلد الدوري قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل الحساني قال: حدّثني أبو يحيى الحماني، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن مقسم، عن ابن عباس قال: أمر الله سبحانه بالاستغفار لأصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم وهو يعلم أنهم سيفتنون.
وأخبرنا عبد الله بن حامد قال: حدّثنا أحمد بن عبد الله قال: حدّثنا محمّد بن عبد الله ابن سليمان قال: حدّثنا ابن نمير قال: حدّثنا أبي، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن عبد الملك بن عمير، عن مسروق، عن عائشة رضي الله عنه قالت: أُمرتم بالاستغفار لأصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم فسببتموهم، سمعت نبيّكم صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تذهب هذه الأُمّة حتى يلعن آخرها أوّلها».
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن علي الطوسي قال: حدّثنا محمّد بن المؤمّل بن الصباح البصري قال: حدّثنا النصر بن حماد العتكي قال: حدّثنا سيف ابن عمر الأسدي قال: حدّثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الذين يسبّون أصحابي فقولوا: لعن الله شركم».
وأخبرنا ابن فنجويه قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال: حدّثنا ابن النعمان قال: حدّثنا هارون بن سليمان قال: حدّثنا عبد الله يعني ابن داود قال: حدّثنا كثير بن مروان الشامي، عن عبد الله بن يزيد الدمشقي قال: أتيت الحسن فذكر كلامًا إلاّ إنّه قال: أدركت ثلاثمائة من أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلم منهم سبعون بدريًا كلّهم يحدّثونني أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه».
فالجماعة ألاّ تسبّوا الصحابة، ولا تماروا في دين الله، ولا تكفّروا أحدًا من أهل التوحيد بذنب قال عبد الله بن زيد: فلقيت أبا أمامة وأبا الدرداء وواثلة وأنس بن مالك، وكلّهم يحدّثونني بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث الجماعة.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبيش قال: حدّثنا أبو الفضل صالح بن الأصبغ التنوخي قال: حدّثنا أبو الفضل الربيع بن محمّد بن عيسى الكندي قال: حدّثنا سعيد بن منصور قال: حدّثنا شهاب بن حراش، عن عمّه العوّام بن حوشب، قال: أدركت من أدركت من صدر هذه الأمّة وهم يقولون: اذكروا محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تأتلف عليهم القلوب ولا تذكروا ما شجر بينهم فتحرشوا الناس عليهم.
وسمعت عبد الله بن حامد يقول: سمعت محمّد بن محمّد بن الحسن قال: سمعت أبا عبد الله محمّد بن القاسم الجمحي المكّي قال: سمعت محمّد بن سعدان المروزي قال: سمعت أحمد بن إسماعيل المروزي، عن عبد الرحمن بن مالك بن مغول، عن أبيه قال: قال عامر بن شراحيل الشعبي: يا مالك، تفاضلت اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، سئلت اليهود: من خير أهل ملّتكم؟ فقالوا: أصحاب موسى. وسئلت النصارى من خير أهل ملتكم؟ فقالوا: حواريّو عيسى. وسئلت الرافضة: من شرّ أهل ملّتكم فقالوا: أصحاب محمّد، أُمروا بالاستغفار إليهم فسبوّهم؛ فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة، لا تقوم لهم راية ولا تثبت لهم قدم، ولا تجمع لهم كلمة، كلّما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله بسفك دمائهم وتفريق شملهم، وإدحَاض حجّتهم، أعاذنا الله وإياكم من الأهواء المضلّة.
وأخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمّد المعدل قال: حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يونس المقري قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سالم قال: حدّثنا سوار بن عبد الله القاضي قال: حدّثنا أبي قال: قال مالك بن أنس: من ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان في قلبه عليهم غلّ، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم تلا {مَّا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى} حتى أتى على هذه الآية، ثم قرأ {للفقراء} حتى أتى على هذه الآية، ثم قال: {والذين تَبَوَّءُوا الدار والإيمان} حتى أتى على هذه الآية ثم قال: {والذين جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ} إلى قوله: {رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} فمن ينتقصهم أو كان في قلبه عليهم غلّ فليس له من الفيء حقّ.
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين نَافَقُواْ}، أي أظهروا خلاف ما أضمروا، وهو مأخوذ من (نافقاء اليربوع) وهي أخذ جحرته، إذا أُخذ عليه جحر أخذ من جحر آخر، فيقال عند ذلك: نفق ونافق، فشبه فعل المنافق بفعل اليربوع؛ لأنه يدخل من باب ويخرج من باب، فكذلك المنافق يدخل في الإسلام باللفظ ويخرج منه بالعقد. والنفاق لفظ إسلامي لم يكن يعرفه العرب قبل الإسلام.
{يَقولونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب} وهم بنو قريظة والنضير {لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ} من دياركم {لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ أَحَدًا} سألنا خذلانكم وخلافكم {أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأدبار ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ لأَنتُمْ} يا معشر المؤمنين {أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} يقول: يرهبونكم أشدّ من رهبتهم من الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني اليهود {جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ}، ولا يبرزون لكم بالقتال {أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ}.
قرأ ابن عباس ومجاهد وابن كثير وابو عمرو: {جدار} بالألف على الواحد.
وروي عن بعض أهل مكّة: {جَدْر} بفتح الجيم وجزم الدال وهي لغة في الجدار.
وقرأ يحيى بن وثاب {جُدْر}، بضم الجيم وسكون الدال.
وقرأ الباقون بضمّهما.
{بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} يعني: بعضهم فظّ على بعض وبعضهم عدوّ لبعض، وعداوتهم بعضهم بعضًا شديدة.
وقيل: بأسهم فيما بينهم من وراء الحيطان والحصون شديدة، فإذا خرجوا لكم فهم أجبن خلق الله سبحانه.
{تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شتى} متفرقة مختلفة. قال قتادة: أهل الباطل مختلفة أهواؤهم، مختلفة شهاداتهم مختلفة أعمالهم وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق، وقال مجاهد: أراد أن دين المنافقين يخالف دين اليهود {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ} يعني مثل هؤلاء كمثل الذين من قبلهم وهم مشركو مكة. {قَرِيبًا ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} يوم بدر قاله مجاهد، وقال ابن عباس: كمثل الذين من قبلهم يعني بني قينقاع. وقيل: مثل قريظة كمثل بني النضير وكان بينهما سَنتان، فربما ذاقوا وبال أمرهم الجلاء والنفي. {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ثم ضرب مثلا للمنافقين واليهود في تخاذلهم فقال عزّ من قائل: {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قال لِلإِنسَانِ اكفر} الآية.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا الباقرحي قال: حدّثنا الحسن بن علوُية قال: حدّثنا إسماعيل بن عيسى قال: حدّثنا إسحاق بن بشر قال: حدّثنا مقاتل عن عطاء عن ابن عباس وعبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن ابن عباس في قوله سبحانه: {فَلَمَّا كَفَرَ قال إِنِّي برياء مِّنكَ} الآية قال: كان راهب في الفترة يُقال له بَرصيصَا وكان قد تعبّد في صومعة لهُ سبعين سنة لم يعص الله فيها طرفة عين وأن إبليس أعياه في أمره الحيل، فلم يستطيع له شيء فجمع ذات يوم مردة الشياطين فقال: ألا أحدٌ منكم يكفيني أمر بَرصيصا، فقال الأبيض، وهو صاحب الأنبياء وهو الذي يتصدى للنبي صلى الله عليه وسلم وجاءه في صورة جبرائيل ليوسوسُ إليه على وجهِ الوحي فجاءه جبرائيل حتى دخل بينهما فدفعه بيده دفعة هينةً فوقع من دفعة جبرائيل إلى أقصى أرض الهند، فذلك قوله سبحانه: {ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ مُّطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ} [التكوير: 20].
فقال الأبيض لإبليس: أنا أكفيك فانطلق فتزيّن بزينة الرهبان وحلق وسط رأسِهِ ثم مضى حتى أتى صومعة بَرصيصا فناداه فلم يجبه برصيصا وكان لا ينفتل عن صلاته إلاّ في كل عشرة أيام ولا يفطر إلاّ في عشرة أيام مرّة، فكان يواصل الأيام العشرة والعشرين والأكثر، فلما رأى الأبيض أنَّه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعتهِ فلما أنفتر برصيصا اطّلع من صومعته ورأى الأبيض قائمًا مُنتصبًا يُصلّي في هيئة حسنة من هيئة الرهبان فلما رأى ذلك من حاله ندم في نفسه حين لها عنه فلم يجبه، فقال له: إنّك ناديتني وكنت مُشتغلا عنك فحاجتك؟ قال: حاجتي أني أحببت أن أكون معك فأنادبك وأقتبس من علمك ونجتمع على العبادة فتدعو لي وأدعو لك قال: برصيصا: إني لفي شغل عنك فإن كنت مؤمنًا فإن الله سبحانه سيجعل لك فيما أدعو للمؤمنين والمؤمنات نصيبًا إن استجاب لي، ثم أقبل على صلاته وترك الأبيض، وأقبل الأبيض يُصلي فلم يلتفت إليه برصيصا أربعين يومًا بعدها، فلمّا انفتل رآه قائمًا يصلي، فلمّا رآى برصيصا شدّة اجتهاده وكثرة تضرّعه وابتهاله الى الله سبحانه كلّمه وقال له: حاجتك؟
قال: حاجتي أن تأذن لي فارتفع إليك، فأذن له فارتفع إليه في صومعته فأقام الأبيض معه حولا يتعبد لا يفطر إلاّ في كل أربعين يومًا ولا ينفتل عن صلاته إلاّ في كل أربعين يومًا مرّة وربّما مدَّ الى الثمانين، فلما رأى برصيصا أجتهاده تفاطرت إليه نفسه فأعجبه شأن الأبيض، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق فأنَّ لي صاحبًا غيرك ظننت أنك أشدّ اجتهادًا ممّا أرى، وكان يبلغنا عنك غير الذي رأيت، قال: فدخل على برصيصا من ذلك أمر شديد وكره مفارفته للّذي رأى من شدّة اجتهاده، فلما ودّعه قال له الأبيض: إنَّ عندي دعوات أعلّمكها أياك تدعو بهن فهي خير مما أنت فيه، يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلى والمجنون، قال برصيصا: إني أكره هذه المنزلة، لأن لي في نفسي شغلا وإني أخاف إنْ علم بهذا الناس شغلوني عن العبادة، فلم يزل به الأبيض حتى علّمه، ثم انطلق حتى أتى أبليس فقال له: قد والله أهلكتُ الرجل، قال: فانطلق الأبيض فتعرّض لرجل فخنقه ثم جاءه في صورة رجل متطبّب فقال لأهله: إنَّ بصاحبكم جنونًا فأعالجه؟ قالوا: نعم، فقال لهم: إني لا أقوى على جنِّيَته ولكن سأرشدكم الى من يدعو الله عزّ وجلّ فيعافى، فقالوا له: دلّنا، فانطلقوا الى برصيصا فإنَّ عنده أسم الله الذي إذا دعى به أجاب، قال: فانطلقوا إليه فسألوه ذلك فدعا بتلك الكلمات فذهب عنهُ الشيطان، وكان يفعل الأبيض بالناس مثل، من مكانك قال: وما هي؟ قال: تسجد لي، قال: أفعل، فسجد له، فقال: يا برصيصا هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك الى أن كفرت بربّك فلما كفر قال: {إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} يقول الله سبحانه: {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ} يعني الشيطان وذلك الإنسان {أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظالمين}.
قال ابن عباس: فضرب الله هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين من أهل المدينة، وذلك أن الله سبحانه أمر نبيّه (عليه السلام) أن يخلي بني النضير عن المدينة، فدسّ المنافقون إليهم، فقالوا: لا تجيبوا محمدًا الى مادعاكم ولا تخرجوا من دياركم فإن قاتلكم كنا معكم وإن أخرجكم خرجنا معكم. قال: فأطاعوهم فدربوا على حصونهم وتحصّنوا في ديارهم رجاء نصر المنافقين حتى جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم فناصبوه الحرب يرجون نصر المنافقين فخذلوهم وتبرّؤوا منهم كما تبرّأ الشيطان من برصيصا وخذله.
قال ابن عباس: فكانت الرهبان بعد ذلك في بني إسرائيل لا يمشون إلاّ بالتقية والكتمان وطمع اهل الفجور والفسق في الاحبار فرموهم بالبهتان والقبيح، حتى كان أمر جريج الراهب، فلمّا برّأ الله جريجًا الراهب مما رموه به فانبسطت بعدها الرهبان وظهروا للناس.
{يا أيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} باداء فرائضه واجتناب معاصيه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} يعني يوم القيامة {واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله} أي نسوا حق الله وتركوا أمره {فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} يعني حظ أنفسهم أن يقدّموا لها خيرًا {أولئك هُمُ الفاسقون لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة أَصْحَابُ الجنة هُمُ الفآئزون لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرآن على جَبَلٍ} وركبّنا فيه العقل {لَّرَأَيْتَهُ} في صلابته ورزانته {خَاشِعًا} ذليلا خاضعًا {مُّتَصَدِّعًا} يعني متشققًا {مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ هُوَ الله الذي لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب} وهو ما غاب عن العباد مما لم يعاينوه ولم يعلموه {والشهادة} وهي ماعلموه وشاهدوه، وقال الحسن: يعني السرّ والعلانية.